نزاهة وحياد الصحافي طلحة جبريل

عدت إلى الرباط بعد 65 يومًا في الخرطوم. تركت السودان بين خيارين إما "ثورة" جديدة تقود البلاد نحو صناديق الاقتراع، أو دفع الأمور نحو حافة الحرب الأهلية.
غادرت الخرطوم وهي تعرف تراشقًا بين المدنيين والعسكريين في "مجلس السيادة" (رئاسة الدولة) سيؤدي حتمًا لمواجهة بين الجانبين، ربما تقود إلى "شمولية رابعة" ستكون اسوأ بكثير من الأنظمة الشمولية التي حكمت السودان قرابة 53 سنة أي أزيد من نصف قرن، لذلك لم تعرف البلاد" دولة المؤسسات" إلا لفترات محدودة.
الواضح أن العسكريين الذين قفزوا للسلطة دون تفويض شعبي، لا يرغبون في العودة إلى ثكناتهم وبالتالي يصبح توجه الناخبين نحو صناديق الاقتراع في ظل نظام ديمقراطي تعددي، مسألة بعيدة المنال.
المؤكد أن هؤلاء العسكريين الذين كانواجزءً من نظام "الإسلاميين" الذي عصفت به ثورة شعبية، ينطبق عليهم ما قاله نيلسون مانديلا "الفاسدون لن يبنوا وطنًا إنما هم يبنون ذاتهم ويفسدون أوطانهم".
عدت إلى الرباط ووجدت أن المشهد السياسي عرف تغييرات واضحة من خلال صناديق الاقتراع. كما تشكلت حكومة جديدة، بتركيبة غيرمعتادة.
ظني أنه خلال الإنتخابات وتشكيل الحكومات يصعب كثيرًا المحافضة على المبادىء الأربعة التي يفترض أن يحرص علها أي صحافي، وهي الدقة والموضوعية والنزاهة والحياد والتوازن.
دقة تتطلب مراجعة المعلومات للتأكد من صحتها ومطابقتها للوقائع، ويشمل ذلك التواصل مع جميع المصادر التي لها صلة بالموضوع، وموضوعية تتفادي الاعتبارات الشخصية والحرص على المعلومات دون حذف وإضافة وتحريف، وحياد يقتضي التعامل مع الأحداث بحياد تام وتجنب التعاطف أو معاداة أي طرف، ونزاهة في نقل الوقائع بدقة وعدم التلاعب في تفاصيلها أو تلوينها، وتوازن يفترض عدم التحيز لأي طرف واعطاء فرص متساوية للجميع.
أعتقد مطمئناً لهذا الاعتقاد، أنه عندما يقترب صحافي من عملية صنع الأخبار فانه يصبح ليس مجرد شاهدًا على صنعها وإنما يتحول أحيانًا إلى طرف في صنعها، وهنا تكمن المعضلة إذا كان الحدث له علاقة بالانتخابات.
لدي بعض الملاحظات بشأن الحكومة الجديدة، والمؤكد أن الأمر قد يتطلب العودة من جديد لمزيد من التفصيل.
من الإيجبيات أن عدد وزراء الحكومة في حدود 25 وزيرًا وهي نتيجة تحالف بين ثلاثة أحزاب، والراجح أن هناك الكثير من السلبيات في الحكومات الإئتلافية الموسعة، ثم هناك سبع سيدات وهذا تمثيل وازن، على الرغم من أن هناك من يرى أن دخول "نادي الوزراء" يفترض ألا يحدد طبقًا للجنس (gender). ملاحظة ثالثة هي أن أسماء بعض الوزارات تحتاج إلى شرح، على سبيل المثال "وزارة الكفاءات" أو وزارة "الإنتقال الطاقي"أو وزارة"الإلتقائية".