تأبين قاضي أوجفت المرحوم أحمدو ولد كيه : علم من اعلام أوجفت

بسم الله الرحمن الرحيم
تأبين قاضي أوجفت المرحوم أحمدو ولد كيه :
هو القاضي أحمدو ولد القاضي محمد محمود (دحود) بن كيه... ولد القاضي أحمدو-صاحب الترجمة- سنة 1932 في أوجفت نشأ وترعرع في كنف أبويه القاضي محمد محمود بن كيه وأم المومنين بنت الحسن الشمسدية الأطارية.
بعد أخذ كتاب الله حفظا وتجويد على والده (دحود) وعلي الفقيه محمد عبد الله ولد أحمد ولد إبراهيم اخليل في أوجفت، درس مبادئ النحو والصرف علي الفقيه محمد محمود بن الطالب الجكني الأوجفتي مثل : نظم عبيد ربه وربع ألفية بن مالك على النحو، ولما بلغ سن الصوم توفي والده القاضي (دحود) بعد أن أصبح من أهل العلم على حداثة سنه وقبل أن ينبت عارضاه، وكان القاضي أحمدو مولع بالمطالعة والمراجعة من أجل تحصيل العلم وظلت والدته أم المؤمنين توجهه إلي المزيد من تحصيل العلم، فهي امرأة محافظة تتمتع بقسط وافر من علوم الشريعة الإسلامية، ولما وصل نصف العقد الثالث من عمره سمحت له والدته بالتغرب لمزيد من تحصيل العلم.
مشوار الغربة :
أول محظرة حط رحاله فيها محظرة الفقيه اواه بن الطالب إبراهيم التكاطي في ولاية لبراكنة، لبث في هذه المحظرة شهورا لم يحددها –صاحب الترجمة- راجع في هذه المحظرة ما تمت دراسته من فن التجويد والمقرأ استفاد ما شاء الله في هذه المحظرة – يقول صاحب الترجمة – ثم انتقل من هذه المحظرة صحبة ابن عمه المرحوم محمد أحمد بن اللله بن امغر الذي كان موجودا قبله في المحظرة، نزلوا في محظرة أهل أحمد بن الهادي اللمتونيين في افطوط ودرسا معا طرة المغني على الشيخ خليل، ولما انتهوا من دراسة الطرة أنتقل القاضي المرحوم أحمدو بن كيه إلى محظرة العلامة اباه ولد محمد الأمين اللمتوني في موضع يقال له ( كمبوره ) في أفطوط راجع عليه دراسة الشيخ خليل وابن عاص مع مراجعة شراحه (ميارة و التسولي )، كما درس عليه المنطق والبيان والفرائض ونظم نوازل سيد عبد الله بن الحاج إبراهيم العلوي، وكان شيخ المحظرة اباه ولد محمد الأمين يتفاءل بمستقبل القاضي احمدو ولد كيه لذا واصل الدراسة لما يري فيه من سرعة الحفظ وجودة فهم النصوص ومدلولاتها، فاستحسن القاضي أحمدو جو هذه المحظرة وقرر الإقامة حتى يشبع نهمه من علوم المحظرة ، لكن وصلته رسالة والدته أم المؤمنين قبل أن يكمل عامه الثاني في المحظرة طلبت منه العودة إلى أوجفت حركت الرسالة في نفسه شوق بالوطن، وتذكر الأهل والأحبة، حزم متاعه والتحق بمسافرين وجهتهم ادرار يمتطون الحمير، ولما وصل إلى أوجفت طلبت منه والدته البقاء معها لأنها بلغت أقصى مرحلة من الشيخوخة والضعف وافقها، وقضى فترة من تحصيل العلم بعد ذالك بين محاظر اطار و أوجفت مع تفقد أحوال الوالدة إلى مرحلة الإستقلال سنة 1960 أجرت الدولة مسابقات تطلب بعض القضاة على المستوى الوطني طلبت منه الجامعة أن يشارك في المسابقة فرفض بحجة أن القضاء غير مستقل، فالوزير والرئيس والقوانين الوضيعة تتدخل في أحكام الله وهذا أمر يحمل من الخطورة ما لا يتصوره الإنسان قال تعالى : « وأن أحكم بينهم بما أنزل الله و لا تتبع اهوائهم...إلي أخر الآيات ».
بعد مفاوضات معه من جهة و الجماعة ووزارة العدل من جهة أخرى قبل أن يكون قاضي صلح لا سلطة على أحكامه ولا وصاية من الإدارة عليه يتمتع بالحرية التامة في احكامه على مستوى سكان مقاطعة أوجفت، و تارة يطلب منه القاضي المركزي أو المحكمة العليا مد يد العون في ملفات شائكة عجز القضاء المحلي في الولاية عن حلها أو المحكمة العليا.
باشر القاضي المرحوم أحمدو ولد كيه القضاء كقاضي صلح سنة 1972 على امتداد مقاطعة أوجفت وبلا فيه بلاء حسن بدون عون خارجي، حيث لا ترى من حوله حرس الإدارة ولا بوابا ينظم له ولا كاتبا يحرر له الأحكام لا يفرق بين ليل ونهار لحسم النزاع بين المتخاصمين ولا يفرق بين ظل الغرفة المكيفة وظل الشجرة ولا الكوخ الذي لا يحجب الشمس عن الناس بل ترى مجلس قضائه ينساب ويسير بنظام واحترام و أريحية، يخاطب الناس بما يفهمون قريب من المتخاصمين والمتشاكسين، ومن ورعه وهضم نفسه أن لا يشرب الماء عند أحد المتنازعين ولا يقبل معروفهم ولا ضيافتهم إلا بعد حسم النزاع هذا مع الحزم والذكاء والنباهة والصرامة إن دعت الضرورة.
وظل القاضي المرحوم أحمدو ولد كيه يخدم القضاء والمتقاضين في مقاطعة أوجفت على حد سواء إلى أن أقعده المرض في المنزل سنة 2013 ومازال المتخاصمون يختصمون لديه ويفض نزاعهم إلى أيام قليلة قبل وفاته.
« إن الله لا يقبض العلم انتزاعا..... الحديث »، وهكذا وقبل منتصف ليلة الخميس 10 محرم 1443هـ شيعت جنازة المرحوم القاضي أحمدو ولد كيه بعد صلاة الصبح ودفن في مقبرة المدينة.
ترك المرحوم القاضي أحمدو ولد كيه وراءه مكتبة كبيرة من مختلف علوم الشريعة واللغة العربية والنحو و الصرف والسيرة النبوية وتفاسير القرءان الكريم وعلومه ودواوين وأنساب العرب مكتبة معبئة فيما يناهز عشرات الصناديق من مختلف الاحجام مكتبة كبيرة ما بين مطبوع ومخطوط كما خلف ذكرا صدق عليه قول القائل :
يا قاضيا لا يستمال بمال
يا من يسوي بين خصومه دائما
أرى كل مدح في كمالك ناقصا
لدى الحكم مشهور مذهب مال(ك)
فسيان خل في المقال و وقال
ففي مدحك المحمود نقص كمال
بهذه المناسبة الأليمة أعزي نفسي وأعزي أسر أهل كيه في كل مكان وخاصة أبناء خالتي أهل دحود بن كيه وآل أحمد ولد شمس الدين في اطار وآل محمد فاضل بن شمس الدين في أوجفت –إنا لله وإنا إليه راجعون حسبنا الله ونعم الوكيل- جزى الله خيرا من دعا لنا وله.
محمد الأمين ولد عبد الجليل
إمام جامع في عرفات –نواكشوط