القبض على اصحاب السوابق في بلادنا كقبض الموظف على راتبه

القبض على المجرمين في بلادنا يشبه قبض صغار الموظفين لرواتبهم، يولد فرحة مؤقتة لكنها لا تدوم طويلا...

في بلادنا السوابق لا تعني شيئاً. اللص يمارس جريمته ويدخل السجن ثم يخرج منه وربما شارك في امتحان الشرطة، وربما يصبح شخصية عامة لاحقا. ففي شهادة التبريز يكتبون بخانة الملاحظات "لا شيء" دون أن ينظروا حتى لوجهك. تماما مثل شهادة الصحة التي تشتريها موقعة وتكتب عليها اسمك. مرة حكى لي أحدهم ان متسابقا توفي في امتحان الرياضة لكونه كان مصابا بمرض ما، ومع ذلك قبلوا ترشحه لأنه ابتاع شهادة الصحة جاهزة وموقعة..

تجد سياسيا لديه سوابق كثيرة مع التطبيل والتذبذب؛ وكلما تغير المشهد السياسي، أطل برأسه مرة أخرى مثل الثعبان كأن شيئا لم يكن، وسيلقى من التبجيل والاحترام نفس الذي كان يلاقيه في جمال البدايات.

من الغريب أيضا هو تدوير المسؤولين في مناصب لم يحدثوا فيها زخما تنمويا، رغم أن سوابقهم في الفشل يمكن بناء جبل منها تسلق قمته يحتاج وقتا طويلا من الصعود..

حتى أن "أهل العروس" لا يسألون عن السوابق إذا ما جاءهم العريس مدججا بالمال. لا يهتمون بنظافة المال وأصوله ما دام وفيرا. لكن إذا أفلس بدأوا ينبشون عن السوابق!

حتى أن الناس يبنون دورا فخمة في أرض لا يعرفون سوابقها مع الكوارث الطبيعية والتاريخ العقاري. في مدينة أعرفها عدة عوائل شيدت منازلها في مسار السيل وهم يعرفون ذلك، ولما يأتي المطر غزيرا ويتشردون سيظهرون بمظهر المشردين مثل الذين يبنون منازلهم في الساحات العامة. طبعا شريكهم بذلك عمال المصالح الحكومية الذين يغفلون عنهم مقابل دريهمات ولأنهم مطمئنون أنهم سيكونون في مناصب أخرى لما تتراكم المحن وتنفجر وبأن تقصيرهم سيُنسى. إنها الأنانية، استمتع أنا وليأتي بعضي الطوفان، لا يهم ذلك لأنني لن أكون موجودا وقتها لحل المشكلة!

أسسنا دولة دون أن ندرس بعمق سوابق المجتمع المرتحل مع المواطنة والتمدن حتى نبني عليها، فكان المسار عشوائيا جدا ولا شيء مدروس..

لا أحد يعلم خطة النظام الحالي نحو المستقبل، الحقيقة أنه لا توجد خطة واضحة المعالم. يكفي متابعة ترحيل الوزراء بين الوزرات وبناء الجسور قبل ترميم الطرق الحيوية لندرك بجلاء أن النظام الحالي عشوائي مثل النظام السابق الذي استهلك ما قدره عشر سنوات من التنمية العشوائية..

ختاما. الاهتمام الجيد بالسوابق يؤكد بأن الاهتمام باللواحق في قابل المستقبل سيكون لامعا. ولا شيء ينهك الأوطان أكثر من تضييع الوقت، فكل دقيقة ضائعة في الحاضر تأخذ سبع دقائق من المستقبل أو أكثر بكثير..

التنمية وسط العشوائية آمول، وآمول باللغة الولفية تعني غير موجود..